25 مارس 2024

الألعاب الشعبية.. ذاكرة توثق تراث المجتمع

محلية
  • QNA Images

الدوحة في 25 مارس /قنا/ تعد الألعاب الشعبية، جزءا لا يتجزأ من التراث الشعبي لأي شعب من الشعوب، ولها أهمية كبيرة في التنشئة الاجتماعية.

واهتم التراث الشعبي اهتماما خاصا بالأطفال، وتضمنهم في جميع مجالاته من قصص وأغان وأناشيد وألعاب وأمثال شعبية وفنون شعبية وتعبيرية، مما يسهم في ربط الأطفال أكثر بالماضي ويعمق صلتهم به، أمام سطوة القيم المادية في حياتنا، مما يحتم ضرورة الحفاظ على عنصر الاستمرار في التراث الإنساني، إذ تجد الألعاب الشعبية مكانا لها في الذاكرة، وما يزال لها نصيب وحظ في وقتنا الحاضر، رغم تلاشي عدد منها.

ويقصد بالألعاب الشعبية، كل لعبة يمارسها العامة منذ الطفولة، ويتوارثونها جيلا بعد جيل، ويضيفون إليها تفاصيل جديدة، ويتساوى في ممارستها الذكور والإناث منذ طفولتهم، وغالبا ما ترتبط بالأغاني، ولها خطوات وحركات، وأدوار يوزعها الأطفال فيما بينهم قبل بداية اللعبة، ويتعلمها الطفل دون توجيه وإرشاد، ولكن من خلال مشاهدة الآخرين.

وأوضح باحثان في التراث الشعبي في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أهمية الألعاب الشعبية في التنشئة الاجتماعية للأطفال، داعين إلى إحيائها وحفظها وصونها للأجيال القادمة.

وفي هذا الصدد قال صالح غريب، الإعلامي والباحث في التراث الشعبي لـ"قنا"، إن الألعاب الشعبية كان لها دور كبير في الماضي، خصوصا في شهر رمضان الفضيل ولياليه الجميلة، سواء تلك الألعاب التي تعتمد على الحركة والنشاط من قبيل لعبة "عظيم الساري" أو "الخشيشة" أو غيرها من الألعاب الأخرى التي تعتمد على الحركة.

وأشار إلى أن هناك ألعابا ذهنية مثل "الصبة" و"الدامة" مازالت تمارس إلى الآن، رغم التطور الحضاري في دول المنطقة ومنها قطر، وهي من ضمن أنشطتنا المجتمعية التي تقدم خلال شهر رمضان، حيث إن هذه الألعاب الشعبية جزء رئيس من الحياة اليومية للأطفال.

وشدد صالح غريب على الدور الكبير لهذه الألعاب الشعبية في قيم التنشئة الاجتماعية للطفل، ومساهمتها في تكوين شخصيته، مما من شأنه أن يكسبه القوة الجسمانية للتغلب على الإرهاق، وخصوصا عندما يتزامن شهر رمضان الفضيل مع حرارة الطقس، لذلك فإن الألعاب الشعبية دائما ما تعطي الطفل هذه القوة التي تكسبه المقاومة والصبر والتحمل على إتمام صيامه، منوها بأن الألعاب الشعبية رغم التغير الاجتماعي الذي طرأ على دول الخليج بدخول الألعاب الإلكترونية أو ما شابه ذلك، فإنها بقيت مستمرة وقاومت من أجل البقاء بفعل المجتمع الذي يدرك قيمتها وأهميتها.

وأضاف: "على المستوى الشخصي، وباعتباري باحثا في التراث الشعبي، أطالب دوما بعودة الألعاب الشعبية، والتقليل من ممارسة الطفل للألعاب الإلكترونية التي سرقته واختطفته من محيطه وأبعدته عن ممارسة الألعاب الشعبية".

ويرى صالح غريب، أنه ربما تظافرت عدد من العوامل التي أبعدت الطفل عن الألعاب الشعبية والتصاقه بالألعاب الإلكترونية، من بينها أن المكان الذي كان يمارس فيه الصغار ألعابهم الشعبية، في الفرجان أو على سيف البحر أو في المناطق المفتوحة والمكشوفة، لم يعد كما كان. وبذلك أصبحت الألعاب الإلكترونية التي يمارسها الطفل الآن، سواء على الهاتف الجوال أو على شاشات الأجهزة اللوحية، لا تحتاج إلى مكان، منبها بأن القيمة الصحية على الطفل، تكمن في الألعاب الشعبية، وممارستها. أما الألعاب الإلكترونية فهي دائما ما تشد انتباه الطفل، وتفقده كثيرا من طاقته الجسمانية، لذلك "أعتقد أن الألعاب الآن يمكن أن تمارس وإعادة إحيائها مثل "طاق طاقية" و"شد الحبل" و"الرين"، و"الماطوع" و"التيلة"، حيث إنها كلها ألعاب ذهنية لا تحتاج إلى فضاء مثل بعض الألعاب من قبيل لعبة "بوسبيت حي لو ميت"، التي لا يمكن أن يمارسها الطفل، لأنه لا يوجد بالقرب من سيف البحر أو الرمل.

وأضاف صالح غريب، الباحث في التراث الشعبي "في لعبة "بوسبيت حي لو ميت" يمكن للاعب أن يغطي رأسه بالغترة، فيما يقوم البقية في إلقاء التراب عليه، ويتم ترديد الأغنية المصاحبة "بوسبيت حي لو ميت.. بوسبيت حي لو ميت"، حتى يكسب وقتا زمنيا أطول للبقاء تحت التراب، متسائلا بهذا الخصوص: "لماذا يمارس الطفل القطري أو الخليجي هذه اللعبة؟ ويجيب بعدها مباشرة قائلا: "لأنه يستعد في فترة من الزمن للدخول إلى البحر، مع ما يحتاجه من طاقة خصوصا الذي سيكون في المستقبل غواصا أو سوف يصبح "سيب"، حيث إن الغواص يحتاج إلى قوة وطاقة، من أجل المكوث تحت الماء فترة طويلة". ومن هذا المنطلق ظلت الألعاب الشعبية، مهمة وكان يتم ممارستها في رمضان أو غيره من الشهور. لكن في رمضان لعدم وجود المكملات آنذاك، مثل التلفزيون والسينما والملاعب والدورات الرمضانية التي تقام، كان الطفل القطري يمارس الألعاب الشعبية، في الفريج وفي المنطقة القريبة منه، والبنات أيضا يمارسن ألعابهن في الحوش، على سبيل المثال، لعبة "القيس" أو "نط الحبل"، وباقي الألعاب التي كانت الفتيات تمارسنها في منازلهن أو غرفهن أو في حوش المنزل، حيث لا تحتجن للخروج من أجل ممارسة هذه الألعاب الشعبية.

وجدد الباحث الشعبي دعوته لضرورة الاهتمام بالألعاب الشعبية وتطويرها وإعادتها وتخصيص أماكن لممارستها مثلما يحدث في درب الساعي أو في عين أم محمد وغيرها من المدن التراثية التي تم إعادة تجديدها وإحيائها، وكذلك في سوق الوكرة القديم أو في "كتارا". وقال: "يفترض أن تكون الألعاب الشعبية على رأس قائمة هذه الألعاب التي يتم إعادة إحيائها، مثلما تم إعادة إحياء عدد من المفردات الشعبية الأخرى، مثل فن النهمة والمحامل التقليدية والحرف الأخرى".

من جانبه قال عبدالعزيز البوهاشم السيد، الباحث في التراث في تصريح مماثل لـ"قنا"، إن الألعاب الشعبية تمثل مخزونا تراثيا لدى أهل قطر، حيث كانت هناك مجموعة من الألعاب الشعبية التي مارستها الأجيال الماضية في الفرجان والمدارس، ومنها شد الحبل ولعبة الصد والرد، ولعبة الدحروي، ولعبة نط الحبل، مشيرا إلى أن غالبية الألعاب الشعبية الحركية تكون مخصصة للأولاد، بينما الألعاب الساكنة أو التي تكون حركتها خفيفة، عادة ما تكون مخصصة للبنات مثل لعبة القيس أو "المدود "العرائس" .

وأوضح أن الألعاب الشعبية لا تقتصر على تحقيق المتعة واللهو بالنسبة للأطفال. بل تعزز التفاعل الاجتماعي بينهم، نظرا لكونها تمارس بشكل جماعي مما يسهم بتواصل الأطفال مع أقرانهم.

ولفت عبدالعزيز السيد إلى أن للألعاب الشعبية عدة وظائف، من بينها تنمية المهارات لدى الأطفال وتنمية قدراتهم الجسدية والذهنية لكونها عادة ما تكون ألعابا حركية رياضية تتطلب بذل جهد بدني كالجري والقفز وشد الحبل، بينما تعتمد بعض الألعاب على الذهن وتتطلب تركيزا مثل لعبة "التيلة" وتتطلب مجهودا ذهنيا أثناء ممارستها وهو ما يساعد في نمو عقول الأطفال وينشط أذهانهم.

وأشار إلى أن من ضمن الألعاب الشعبية المعروفة لعبة "القيس" وهي لعبة جماعية من ألعاب الحركة والخفة والتركيز والمهارة البدنية خاصة بالبنات ممن تتراوح أعمارهن ما بين سن (8 و21) سنة تقريبا، وأحيانا تمارس ما بعد هذه المرحلة من العمر، وهي لعبة ثنائية ف الغالب، تمارس خلال فصل الصيف في فترات النهار داخل المنزل أو خارجه، منوها في الوقت نفسه، بأن الأطفال كانوا يلعبون الألعاب الشعبية في المدارس أيضا، ومنهم من كان يجتمع عصرا في الفرجان للمشاركة في الألعاب الشعبية التي عادة ما تكون جماعية أو فردية.

جدير بالذكر، أن الألعاب الشعبية، تكتسي أهمية كبرى بالنسبة للطفل، نظرا لدورها في تطوير قدراته، كما أنها تعكس تراث الأجداد، وتحقق الإشباع النفسي للأطفال في الترويح عن النفس وتحقيق المتعة والسرور، وتعتبر تمرينا طبيعيا لقوى الطفل، إذ تساعده على تنمية توافقه الحركي والحسي وتقوية عضلات جسمه وتكوين شخصيته، وتوثق العلاقة بينه وبين البيئة، وتنمي فيه احترام القواعد والقوانين التي تحكم اللعبة، ومواجهة المواقف وتعظيم الانتماء للجماعة والترابط الاجتماعي.

 


الكلمات المفتاحية

ثقافة, قطر
X
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. تعرف على المزيد حول كيفية استخدامها ، أو قم بتحرير خيارات ملفات تعريف الارتباط الخاصة بك
موافق